تحقيقٌ مُضاد فِي المَجْزَرَة العُنْصُرِية التي وقعت بِتَاريخ الـ24 من يونيو/حزيران 2022
برودر فورنسيك، بالتعاون مع مركز إيريديا بإسبانيا، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان
ملخص
حاول نحو ألفي مهاجر في الـ24 من يونيو/حزيران 2022، عبور السياج الحدودي الفاصل بين مدينة الناظور شمال شرق المغرب، ومليلية الجيب الخاضع للسيطرة الإسبانية. أدى القمع العنيف الذي مارسته قوات حفظ النظام المغربية والإسبانية تجاه هؤلاء المهاجرين، ذلك اليوم، إلى تحويل معبر باريو تشينو الحدودي إلى فخ مُميت، مخلفا مقبرة جماعية حقيقية. اعترفت السلطات المغربية بمقتل 23 شخصا، لكن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبر فرعها في مدينة الناظور، أحصت ما لا يقل عن 27 شخصا قتيلا ذلك اليوم، فيما لا يزال أكثر من 70 شخصا آخرين في عداد المفقودين، إلى حدود الساعة. ماذا حدث يوم الـ24 من يونيو/حزيران 2022؟ كيف ومن قام بتحويل معبر باريو تشينو الحدودي إلى فخ مُميت؟
للإجابة على هذه الأسئلة، أجرت منظمة “بوردر فورنسيك” (Border Forensics) تحقيقات طيلة أكثر من عام، بتعاون مع كل من مركز “إيريديا” (Irídia) للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفاعلين آخرين في المجتمع المدني على جانبي الحدود. علاوة على ذلك، استفدنا من المشورة والنصائح الإضافية التي قدمها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR). من خلال بناء تحليلنا للمجزرة، اعتمادا على مستويات مكانية وزمانية مختلفة، حاولنا أن نفهم ونستقرئ، ليس فقط تسلسل الأحداث ومُمَارَسَات الفاعلين المتواجدين في المكان الذي شهد مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران 2022، ولكن أيضًا الشروط البنيوية التي ساهمت في جعل حدوث هذه المجزرة أمرا ممكنا، فضلاً عن الظرفية السياسية التي تسببت في مضاعفة شدة العنف غير المسبوق. قمنا أيضا بتحليل ممارسات العنف التي استمرت بعد الـ24 من يونيو/حزيران، من خلال التطرق لما يتعلق بالفشل في التعرف على القتلى وتحديد مصير المفقودين، الإفلات من العقاب على المجزرة، والتكالب القضائي على المهاجرين أنفسهم.
وعلى الرغم من أن العديد من مناطق الظل لا تزال قائمة، فإن الحقائق التي قمنا بإعادة بنائها من خلال المقارنة والجمع بين العديد من عناصر الأدلة، تعد دامغة، سواء بالنسبة للسلطات المغربية والإسبانية أو بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يدعمهما سياسيا وماليا. لذلك يجب على السلطات على جانبي الحدود، أن تكشف الحقيقة الكاملة بخصوص هذه المجزرة، وتستجيب في آخر المطاف لمطالب الضحايا وعائلاتهم بالكشف عن الحقيقة وإحقاق العدالة.
مقدمة:
حاول نحو ألفي مهاجر في الـ24 من يونيو/حزيران 2022، عبور السياج الحدودي الفاصل بين مدينة الناظور شمال شرق المغرب، ومليلية الجيب الخاضع للسيطرة الإسبانية. أدى القمع العنيف الذي مارسته قوات حفظ النظام المغربية والإسبانية ذلك اليوم، تجاه هؤلاء المهاجرين، إلى تحويل معبر باريو تشينو الحدودي إلى فخ مُميت، ما نتج عنه مقبرة جماعية حقيقية. اعترفت السلطات المغربية بمقتل 23 شخصا، لكن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبر فرعها في مدينة الناظور، أحصت ما لا يقل عن 27 شخصا قتيلا ذلك اليوم، فيما لا يزال أكثر من 70 شخصا آخرين في عداد المفقودين، إلى حدود الساعة.
لقطة شاشة من مقطع فيديو صورته مروحية إسبانية، يظهر المهاجرين المحاصرين في الباحة الخاضعة للسيطرة العملياتية المغربية، في الساعة الـ8:39 صباحًا. الحرس المدني، 24.06.22.
لقطة شاشة من مقطع فيديو تم تصويره بواسطة طائرة إسبانية بدون طيار، في حوالي الساعة الـ9:00 صباحًا، تظهر أن عناصر قوات حفظ النظام الإسبانية، قامت بتشكيل طوق لمنع المهاجرين من التقدم، كي تتمكن من طردهم إلى الجانب الآخر من الحاجز الحدودي. الحرس المدني، 24.06.22.
لقطة شاشة من مقطع فيديو التقطته صحفية مغربية في وقت مبكر بعد الظهيرة، وتظهر هذه اللقطة تشكل مقبرة جماعية داخل وخارج معبر باريو تشينو الحدودي، حيث تكدس المهاجرون الأحياء والأموات بعضهم فوق بعض. أرض بلادي برس، فيسبوك، 24/06/22.
وعلى الرغم من الصور العديدة التي التقطها فاعلون مختلفون، والتقارير المتنوعة التي نشرتها الجهات الرسمية والجمعيات والصحفيون1تقرير فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة الناظور. متوفر باللغة الفرنسية فقط “La tragédie au poste frontalier de Barrio Chino” (المأساة على المعبر الحدودي لباريو تشينو)، 2022، http://amdh.org.ma/img/upload/contents/fichiers/532/d36ba0efb926c6cfb0705be188d7916c.pdf؛ فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة الناظور، “التقرير السنوي 2022 حول الهجرة”، صدر في 2023، https://viacampesina.org/es/wp-content/uploads/sites/3/2023/07/rapport-migration-2022-AMDH-Nador.pdf؛ مركز إيريدا ” Vulneración de derechos humanos en la Frontera Sur del Estado español 2021-2022″ (انتهاك حقوق الإنسان على الحدود الجنوبية للدولة الإسبانية 2021-2022)، 2023، https://iridia.cat/es/publicaciones/vulneracion-de-derechos-humanos-en-la-fs-del-estado-espanol-2021-2022/؛ كامينادو فرونتيرا، “Informe – Víctimas de la frontera Nador – Melilla el 24/6/2022” (ضحايا حدود الناظور-مليلية بتاريخ 24/06/2022)، 2022، https://caminandofronteras.org/wp-content/uploads/2023/01/Informe-Masacre-Nador-Melilla-ES.pdf؛ منظمة العفو الدولية “‘ضربوه على رأسه للتأكد من وفاته’ أدلة على ارتكاب السلطات المغربية والإسبانية لجرائم بموجب القانون الدولية على حدود مليلية”، 2022، https://www.amnesty.org/fr/wp-content/uploads/sites/9/2022/12/MDE2962492022ARABIC.pdf، BBC Africa Eye، “Death on border” (موت على الحدود)، 2022، https://www.bbc.co.uk/programmes/p0dbnttd، Lighthouse Reports وal.، “Reconstructing the Melilla Massacre” (إعادة بناء وقائع مجزرة مليلية)، 2022، https://www.lighthousereports.com/investigation/reconstructing-the-melilla-massacre/.، إلا أن العديد من المناطق الرمادية، حول مسار تطور الأحداث خلال ذلك اليوم، لا تزال قائمة. إن السلطات المغربية والإسبانية تظل بعيدة كل البعد عن تسليط الضوء الكامل على الحقائق، وبدلاً من ذلك منعت التحقيقات المستقلة من الوصول إلى العديد من العناصر الأساسية للأدلة.
ما الذي جعل اندلاع هذا العنف أمرا ممكناً؟ ومن خلال أي أعمال/أفعال محددة تجسد ذلك العنف؟ ومن هي الجهة المسؤولة؟ كيف ومن قام بتحويل معبر باريو تشينو الحدودي إلى فخ مُميت؟
بعد مرور عامين على الأحداث، لم تتم الإجابة على هذه الأسئلة بعد، ولم يتم الاستماع إلى مطالب الناجين من المجزرة وعائلات القتلى والمختفين، بخصوص الكشف عن الحقيقة وإحقاق العدالة. بل على العكس من ذلك، فبدلاً من استخدام المؤسسات القضائية لتحديد المسؤولين عن المجزرة، استخدم المغرب منظومته القضائية لمواصلة قمع الناجين من المجزرة، حيث حُكم على العشرات منهم بالسجن بتهم وادعاءات تتعلق بارتكاب أعمال عنف وجرائم أخرى. من جانبه أعلن النائب العام الإسباني أنه لم يجد أي دليل على حدوث انتهاكات فقرر إغلاق تحقيقه. علاوة على ذلك، تمت تقوية السياج الحدودي بدلا من تفكيكه، ورغم انخفاض محاولات عبور الحدود منذ الـ24 من يونيو/حزيران 2022، إلا أن نظام القمع العنصري القائم على الحدود لم يتغير.
من أجل مساندة مطالب الكشف عن الحقيقة وإحقاق العدالة لفائدة ضحايا الـ24 من يونيو/حزيران 2022 وعائلاتهم، ولمناهضة نظام الإفلات من العقاب الذي يسمح باستمرار العنف على الحدود، أجرت منظمة “بوردر فورنسيك”، طيلة أكثر من عام، بتعاون مع كل من “مركز إيريديا” للدفاع عن حقوق الإنسان، في إسبانيا، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في المغرب، بالإضافة إلى فاعلين أخرين في المجتمع المدني على جانبي الحدود، تحقيقًا مضادًا، مع الاستفادة من النصائح والمشورة الإضافية التي قدمها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان. معًا شكلنا فريقا متعدد التخصصات، يتكون من أعضاء جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان وصحفيين وباحثين متخصصين في التحليل النقدي لمحدودية سياسات الهجرة والعنصرية ضد ذوي البشرة السوداء، بالإضافة إلى مساهمة خبراء في إعادة تشكيل وبناء المعطيات المكانية والبصرية، وأيضا الإحصائيين والمهندسين المعماريين ومخرجي الأفلام الوثائقية.
من خلال بناء تحليلنا للمجزرة اعتمادا على مستويات مكانية وزمانية مختلفة، حاولنا أن نفهم، ليس فقط تسلسل الأحداث ومُمَارَسَات الفاعلين المتواجدين في المكان الذي شهد مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران 2022، ولكن أيضًا استقراء الشروط البنيوية التي ساهمت في إمكانية حدوث هذه المجزرة، فضلاً عن الظرفية السياسية التي تسببت في مضاعفة شدة العنف غير المسبوق. قمنا أيضا بتحليل ممارسات العنف التي استمرت بعد الـ24 من يونيو/حزيران، من خلال التطرق لما يتعلق بالفشل الذي صاحب التعرف على القتلى وتحديد مصير المفقودين، الإفلات من العقاب على المجزرة، والاستهداف القضائي للمهاجرين أنفسهم.
وزيادة على إعادة بناء وقائع المجزرة، يظهر تحليلنا أن الفخ المُميت الذي وقع فيه المهاجرون خلال مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران، يتجاوز مسألة هندسة المعبر الحدودي أو تسلسل الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم. بل على العكس من ذلك، تم دفع المهاجرين للتوجه، مراراً وتكراراً، نحو معبر باريو تشينو الحدودي، وهناك تعرضوا، بمجرد أن حوصروا، للقمع العنيف من قبل عناصر قوات حفظ النظام المغربية والإسبانية. إن ما حدث هو نتيجة لنَسِيج من السياسات والممارسات التي اعتملت وتفاعلت في مساحة/سياق زمكاني ممتد، بما في ذلك سياسات تَعْهِيد (تصدير/الاستعانة بمصادر خارجية) مراقبة الهجرة الأوروبية والإسبانية، والتي تم وضعها على مدى أكثر من عقدين من الزمن، إضافة إلى الدبلوماسية المغربية في مجال الهجرة، والإفلات من العقاب على أعمال العنف المرتكبة على مدى سنوات عديدة، فضلاً عن القمع العنصري اليومي الذي يمارس في المنطقة، ضد المهاجرين من ذوي البشرة السوداء. لقد اجتمعت كل هذه العناصر لتشكل فخا للموت، أَطْبَقَتْه قوات حفظ النظام الإسبانية والمغربية على المهاجرين في الـ24 من يونيو/حزيران 2022.
وعلى الرغم من أن العديد من مناطق الظل لا تزال قائمة، فإن الحقائق التي قمنا بإعادة بنائها من خلال المقارنة والجمع بين العديد من عناصر الأدلة، تعد دامغة، سواء بالنسبة للسلطات المغربية والإسبانية أو بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يدعمهما سياسيا وماليا. لذلك يجب على السلطات على جانبي الحدود، أن تكشف الحقيقة الكاملة بخصوص هذه المجزرة، وتستجيب في آخر المطاف لمطالب الضحايا وعائلاتهم بالكشف عن الحقيقة وإحقاق العدالة.
تعتبر مجزرة الناظور-مليلية، خلال الثلاثين سنة الماضية، بما رافقها من اندلاع لأعمال عنف مباشرة وممارسات عنصرية وتجريد شديد من الإنسانية وما خلفته من عدد كبير من القتلى والمفقودين، إحدى أخطر الجرائم المرتكبة في إطار التدبير التمييزي والمُعَسْكَرِ للحدود الأوروبية. لكن ما وراء الطبيعة الاستثنائية التي ميزتها، فإن هذه المجزرة تجسد، بطريقة متفاقمة، اتجاهًا أوسع ينحو إلى التعامل بوحشية في تدبير الحدود والتطبيع مع الانتهاكات المرتكبة تحت مسمى وذريعة “حماية الحدود”. لذا، فإننا نسعى أيضًا، من خلال التوثيق الدقيق لأحداث الـ24 من يونيو/حزيران 2022 وعبر تحليل الظروف التي جعل حدوثها ممكنا، إلى مناقشة ومساءلة هذه الاتجاهات الأوسع.
بِنَاءُ التقرير
للإجابة على سؤالنا الرئيسي “كيف ومن قام بتحويل معبر باريو تشينو الحدودي إلى فخ مُميت؟”، قمنا بتقسيم تحليل لسياسات وممارسات العنف ضد ذوي البشرة ذوي البشرة السوداء إلى عدة فصول، كل منها يعكس فضاء زمنيا ومكانيا مختلفا: (1) المدة الطويلة للاستعمار والعنصرية تجاه ذوي البشرة ذوي البشرة السوداء على الحدود، مما هيأ ظروف احتمال حدوث المجزرة؛ (2) السياق الخاص للعلاقات الدبلوماسية المتغيرة بين المغرب وإسبانيا والاتحاد الأوروبي في الأشهر التي سبقت الـ24 من يونيو/حزيران وما نتج عنها من تذبذبات في شدة القمع؛ (3) يوم المجزرة؛ و(4) العنف الذي لا يزال يتعرض له ضحايا الـ24 من يونيو/حزيران، بعد مرور عامين تقريبًا على الأحداث.
في الفصل الأول، الذي يعتمد بشكل أساسي على بحث دكتوراه أجرته إلزا تيسزلر2Elsa Tyszler, “Derrière les barrières de Ceuta & Melilla. Rapports sociaux de sexe, de race et colonialité du contrôle migratoire à la frontière maroco-espagnole”, thèse de doctorat en sociologie, Université Paris 8, 2019 ; Elsa Tyszler, Se battre aux frontières de Ceuta et Melilla, Presses Universitaires de Vincennes, 2024.، يتم تتبع وعرض السياق التاريخي والسياسي والقمعي على حدود الناظور-مليلية. إن الخوض في التاريخ الطويل لهذه الحدود، يكشف بعدها العنصري والاستعماري. يمكننا تحليل تطور التشريعات، السياسات والممارسات، من استيعاب الطبيعة العنصرية للقمع المُمَارس ضد الهجرة، والذي طبقته إسبانيا حول جيبي سبتة ومليلية، ابتداء من سنوات التسعينيات، ثم من الجانب المغربي انطلاقا من بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إن ما ظهر وتعزز طيلة هذه المدة، هو الإجماع، على جانبي الحدود المغربية-الإسبانية، على ذلك الوجه الأسود الذي يمثله خطر الهجرة. ويمكن ملاحظة القمع الخاص الذي يستهدف ما يسمى بالأشخاص المنحدرين من “جنوب الصحراء الكبرى”، من خلال التحرشات والمضايقات الأمنية اليومية لذوي البشرة ذوي البشرة السوداء في منطقة الناظور، ومن خلال تصاعد أعمال العنف المتمثلة في المذابح المسجلة منذ عام 2005، وخاصة حول الحواجز الحدودية. ويؤكد تحليلنا الجيو-إحصائي ما خلص إليه تحليل المهاجرين أنفسهم والباحثين والجمعيات فيما يتعلق بالتعرض المفرط للمهاجرين من ذوي البشرة ذوي البشرة السوداء للعنف. ويظهر تحليلنا للبيانات التي جمعتها المنظمة الدولية للهجرة منذ عام 2014 أنه من بين 892 حالة موثقة لأشخاص ماتوا على الحدود، ينحدر 406 على الأقل من وسط وشرق وغرب إفريقيا، وهو ما يمثل 46% من الحالات. وبالتالي فإن ما يتكشف لنا هو وجود نظام للهيمنة العنصرية، تم تأسيسه على جانبي الحدود ضد ذوي البشرة السوداء، وهو ما نصفه ونناقشه في الفصل الثالث تحت عنوان “الأبرتهايد الحدودي”.
لقد كشف تحليلنا الذي أجريناه بتعاون مع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وغطى أكثر من 10 سنوات من التقاضي، أنه على الرغم من الشكاوى العديدة التي قدمها المهاجرون بشأن انتهاكات حقوقهم على الحدود، إلا أنه تم بانتظام، انتهاك حقوقهم والمعايير الوطنية والدولية التي ينبغي أن تحميهم، وهو ما ساهم أيضا في تعزيز نظام الإفلات من العقاب.
كرونولوجيا تفاعلية تعرض المراحل الرئيسية ونتائج محاولات السعي لتحقيق المساءلة عن أعمال العنف والانتهاكات على حدود سبتة ومليلية في الفترة الممتدة بين 2014 و2022. منظمة “بوردر فورنيسك”، 2024.المشاهدة بحجم الشاشة
إن إنكار الإنسانية المشتركة مع المهاجرين من ذوي البشرة السوداء، من خلال العنصرية والعنف اليومي من ناحية، وإنكار حقوقهم من خلال نظام الإفلات من العقاب الذي تم ترسيخه حول هذا العنف من ناحية أخرى، قد اجتمعا ليجعلها من فئة معينة -هي المهاجرون من ذوي البشرة السوداء- فئة وكأنه لا ضير في ذبحها والتنكيل بها.
ويبين الفصل الثاني أنه على الرغم من استمرار العنف القائم على كراهية ذوي البشرة السوداء على الحدود، فإن حدته تتباين بشكل كبير تبعا للظروف التي تمر منها العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، وكذلك بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وتظهر التحليلات التي أجراها ساني لادان ومايتي دانييلا لو كوكو من “مركز إيريديا” وأعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان-من خلال فرعها في مدينة الناظور، والذين يستند إليهم هذا الفصل، أن الظروف الخاصة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تأرجحت بين التوترات والقطيعة والمصالحة خلال الفترة الممتدة بين 2021 و2022. لقد كان للرباط ومدريد تأثير جوهري على المستوى غير المسبوق من القمع الذي لوحظ في الـ24 من يونيو/حزيران 2022. فالسلطات المغربية، سمحت في سياق القطيعة الدبلوماسية منذ أيار/مايو 2021، بعبور مزيد من المهاجرين للحدود، لكن في أعقاب المصالحة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد ابتداء من أبريل/نيسان 2022، كثفت قوات إنفاذ القانون المغربية مرة أخرى قمعها، مما دفع المهاجرين من ذوي البشرة السوداء إلى القيام بمحاولة العبور.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشهادات التي جمعناها، وتحليل صور الأقمار الصناعية، يكشفان عن درجة عالية من التأهب والإعداد، من جانب السلطات المغربية، بل وجودها في حالة من سبق الإصرار والترصد. فمن ناحية، يبدو أنها سعت إلى التأثير على المهاجرين لدفعهم إلى القيام بمحاولة عبور السياج الحدودي دون التوفر على الأدوات المعتادة، ما جعلهم أكثر عرضة للخطر، ومن ناحية أخرى، كثفت السلطات عسكرة الحدود في الأيام التي سبقت تاريخ الـ24 من يونيو/حزيران، ما أدى إلى اتساع الفجوة في توازن القوى، غير المتكافئ أصلاً، بين المهاجرين وعناصر إنفاذ القانون.
أما الفصل الثالث، الذي يعتمد على تحاليل جميع الشركاء في التحقيق، فيقدم وصفًا تفصيليًا لتسلسل أحداث الـ24 من يونيو/حزيران 2022. فمن خلال المقارنة والجمع بين العديد من الأدلة، ولا سيما شهادات الناجين التي تم تجميعها في المغرب وإسبانيا، ومن خلال تحليل الوثائق الرسمية، وتحليل العديد من الصور الفوتوغرافية وصور الفيديو التي التقطتها جهات مختلفة، ومن خلال تحديد هذه المصادر في الزمن والمكان، استطعنا أن نضع خريطة لكل مرحلة من الأحداث، وهو ما مكننا من تحليل ممارسات العنف التي حدثت.
إن العملية المنهجية التي اتبعناها لإعادة بناء ما جرى، توفر أدلة جديدة بشأن مسؤوليات السلطتين المغربية والإسبانية، وتمكن من دحض روايتهما للحقائق، التي حاولتا من خلالها أن تعفيا نفسيها من أية مسؤولية. وهنا أيضًا، يكشف تحليلنا عن وجود استراتيجية حقيقية، حيث سمحت عناصر قوات حفظ النظام المغربية، عمدًا للمهاجرين، بالاقتراب من الحدود في ذلك اليوم، ثم عمدت بعد ذلك إلى توجيههم باستخدام التهديد بالقمع، نحو مركز باريو تشينو الحدودي. تم في البداية استهداف المهاجرين، الذين تم توجيههم إلى داخل المركز الحدودي الذي كانوا يحاولون انطلاقا منه عبور الحدود إلى مليلية، من خلال استخدام معدات مكافحة الشغب التي نشرتها القوات المغربية والإسبانية في جميع الجهات. ومن المؤكد أن إطلاق الغاز الكثيف في مكان ضيق، والذعر أثناء محاولة العبور، قد أديا إلى سقوط أول الوفيات في هذه المجزرة. تَلَتْ ذلك عمليات الضرب، التي ارتكبتها بشكل رئيسي القوات المغربية، تجاه أولئك الذين بقوا داخل الباحة الداخلية للمعرب الحدودي، وأولئك الذين تم ترحيلهم بشكل عنيف وبشكل مشترك بين القوات الإسبانية والمغربية، حيث شكلت هذه المرحلة التي استمرت عدة ساعات، ذروة ارتكاب العنف المميت. ولحد الآن، لم يتم الكشف عن أي صور لهذه المرحلة من الأحداث. لهذا لم يكن في الإمكان جعل هذا العنف الكبير مرئيًا وظاهرا، لكننا عملنا لنجعله مسموعًا من خلال شهادات الناجين. ونكشف أيضًا أن قوات حفظ النظام الإسبانية ارتكبت بدورها العديد من أعمال العنف والانتهاكات، لا سيما من خلال ممارسة المعاملة اللاإنسانية والمهينة على المهاجرين الذين تم اعتراضهم. وهكذا ساهمت العناصر الإسبانية في هذا العنف، من خلال إرجاع المهاجرين إلى المغرب عنوة، على الرغم من علمها بأنهم سيتعرضون لعنف شديد هناك. وأخيرا، نبين أنه إذا كانت غالبية الوفيات حدثت عندما كان المهاجرون تحت سيطرة عناصر القوات المغربية، إلا أن تلك الوفيات وقعت كلها على الأراضي الإسبانية. ورغم أن بعض مناطق الظل لا تزال قائمة، إلا أن الحقائق التي قمنا بإعادة بنائها، كانت دامغة، سواء بالنسبة للسلطات المغربية أو الإسبانية، أو بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يدعمهما.
ويحلل الفصل الرابع العنف الذي استمر في التأثير على الناجين بعد مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران. اعتمادا على العمل الميداني الذي قامت به، على وجه الخصوص، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عبر فرعها في الناظور، وعمل غيرها من الفاعلين في المجتمع المدني، يستعرض هذا الفصل عمليات النقل القسري التي نظمتها السلطات المغربية، مباشرة بعد المجزرة، ويكشف عرقلة الوصول إلى المستشفيات والخدمات الصحية بالنسبة لبعض الجرحى الناجين. كما يتناول الفصل مسألة التدبير الغامض للجثث بعد المجزرة وعرقلة إمكانيات التعرف والبحث عن القتلى والمفقودين من قبل عائلات الضحايا، ما يجعل إمكانية إقامة الحداد/الجنازة عليهم مستحيلة. كما يسلط الفصل الضوء على التحرشات القانونية التي تعرض لها العشرات من الناجين الموجودين اليوم في السجون المغربية. ومن خلال استمرار هذه الممارسات المختلفة، يستمر عنف الـ24 من يونيو/حزيران في إنتاج المزيد من معاناة الضحايا وعائلاتهم.
أما الخاتمة فتربط بين هذه الفصول وجوانبها المكانية والزمانية المختلفة. يظهر بحثنا أن الوضع الاستعماري لهذه الحدود، والسياسات الأوروبية والإسبانية المتمثلة في تعهيد/إسناد مراقبة الهجرة لأطراف خارج حدودها، إضافة إلى الدبلوماسية المغربية في مجال الهجرة، والإفلات من العقاب على أعمال العنف المرتكبة على مدى العقدين الماضيين، ثم القمع العنصري اليومي المنتشر ضد ذوي البشرة السوداء في المنطقة الحدودية، وكذلك هندسة الحدود، كلها شكلت فخًا مميتا، أَطْبَقَته قوات إنفاذ القانون الإسبانية والمغربية على المهاجرين، في الـ24 من يونيو/حزيران 2022. إن إعادة بنائنا للأحداث تأتي لتُرَسِّخ تأكيدًا مرعبًا خلصت إليه تحاليل الدراسات السوداء/الإفريقية، مفاده أن “الموت الأسود ليس مجرد حدث، بل هو استمرارية-زمكانية3Norman Ajari, “Forms of Death: Necropolitics, Mourning, and Black Dignity”, Symposium: Canadian Journal of Continental Philosophy 26(1), 2022, p. 175.“. لقد بدأت مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران قبل وقت طويل من ذلك اليوم المشؤوم وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. في ضوء تحليلنا، نقوم بصياغة سلسلة من المطالب والتوصيات، لمعالجة ما نتج عن مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران 2022، وفي الأخير وضع حد نهائي للعنف على حدود الناظور/مليلية.
طوال تحقيقنا المضاد، نترك مكانًا مركزيا لكلمات وتجارب وتحليلات ومطالب الناجين من المجزرة. هذا التحقيق المضاد مهدى إلى جميع أولئك الأشخاص الناجين، الذين يناضلون ضد العنصرية، من أجل كرامتهم، ومن اجل الاعتراف بإنسانيتهم وحقوقهم.
منهجية التحقيق
إذا كنا سنصف في كل فصل الطرق المحددة التي استخدمناها، فإننا سنلجأ في هذا الجزء، وبشكل عام، إلى استعراض الإشكاليات المنهجية التي واجهناها، والاختيارات المنهجية التي اعتمدناها بعد ذلك. كان على تحقيقنا أن يستجيب لتحدي منهجي وسياسي أساسي: على الرغم من الانتشار الدولي للصور التي توثق أحداث الـ24 من يونيو/حزيران 2022، إلا أن هذه المجزرة ظلت دون عقاب، فهل توجد طريقة لتوثيق وتحليل ما حصل من أحداث، يمكنها أن تساهم بشكل فعال في الطعن فيما جرى من قمع عنصري كانت أحداث الـ24 من يونيو/حزيران 2022 شاهدة عليه؟ يمكن تقسيم هذا التحدي إلى عدة أسئلة رئيسية أثرت على اتجاه بحثنا. يمكن تلخيص استجابتنا من خلال الجمع بين أساليب التحقيق وإعادة بناء ما حصل من أشكال للعنف والانتهاكات على الحدود بالاعتماد على علم الأدلة الجنائية، مع التحليل النقدي للتاريخ الاستعماري والعنصري ضد ذوي البشرة السوداء.
ما الذي تبقى لنا لنكشف عنه، أمام غزارة الصور التي أنتجت حول الـ24 من يونيو/حزيران؟
في ضوء التحقيقات التي أجريت حول أحداث الـ24 من يونيو/حزيران، والتي نُشرت قبل تحقيقنا، ولا سيما صور الفيديو التي أنتجها العديد من الفاعلين وصوروها من زوايا نظرهم المختلفة، نشأت أسئلة أولية: ما الإضافة الذي يمكن أن يكشفها تحقيقنا، علما أن أعمال العنف قد تم توثيقها بالكامل تقريبًا؟ هل يمكن أن يساهم تحقيقنا في البحث عن الحقيقة والعدالة؟ يمكننا اليوم الإجابة بالإيجاب. فمن ناحية، يمكننا القول بأن أسلوبنا المنهجي في التحليل المكاني والبصري، والذي استخدمناه للمقارنة بين جميع عناصر الأدلة المتاحة، يمكننا، حتى يومنا هذا، من إعادة البناء الأكثر تكاملا للأحداث في المكان والزمان. إن إعادة البناء هذه التي قمنا بها تلقي ضوءاً جديداً على مسؤولية الدول. ومن ناحية أخرى، مكنت الطريقة المنظمة والمنهجية لمقاربتنا المعتمدة، من إظهار صور جديدة كان من الصعب الوصول إليها، وتتعلق باللحظات الأكثر حدة في انفجار العنف ضد المهاجرين. ونؤكد في هذا السياق أن إخفاء وترواي هذه الصور الجديدة، طرح صعوبات أكبر تتعلق بالإدراك والفهم، وذلك بسبب كثرة الصور المتاحة وما نتج عنها من انطباع يشي بأن توثيقا كامل للحقائق قد جرى.
لماذا الاستمرار في الكشف عن العنف والانتهاكات في ظل نظام الإفلات من العقاب؟
على الرغم من انتشار الصور التي توثق العنف والتجريد الشديد للمهاجرين من إنسانيتهم خلال أحداث الـ24 من يونيو/حزيران، وغياب العدالة وتوقف العنف على الحدود، إلا أن إشكالا آخر يبقى قائما. هل يمكن للتوثيق الأكثر تفصيلاً للأحداث، كما حاولنا إنتاجه، أن يضع حدًا لنظام الإفلات من العقاب، تجاه الوفيات والانتهاكات على هذه الحدود؟ هل يمكن أن يساهم في إنهاء هذا العنف؟ وفي الوقت الذي نؤكد فيه استمرار التزامنا بحشد الاستراتيجيات القانونية المختلفة للترافع/المناصرة، ينتابنا، في الوقت الحالي على الأقل، شعور بالتشاؤم ونحن ننشر هذا التحقيق، خاصة حينما نفكر في ردود وتفاعل الدول المعنية مستقبلا مع ما استخلصناه. وكما سنبين أدناه، فإن نظام الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات التي تقع على الحدود، تحول، ومنذ زمن طويل، إلى نظام راسخ على المستويين الوطني والأوروبي. إن العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء، والتي أسست وما زالت لأعمال العنف على حدود الناظور-مليلية، حاضرة أيضًا داخل مؤسسات القانون. زيادةً على ذلك، فإن العنف على الحدود صار بنيويا ومُتَقَبَّلا على نطاق واسع من قِبَل المواطنات/المواطنين والدول الأوروبية على حد سواء، تحت ذريعة أنه شر لا بد منه “لحماية” أوروبا من “التهديد” الذي من المفترض أن يشكله وصول المهاجرين من الجنوب العالمي.
إذا كانت إمكانية حدوث تغيير عميق لوضع حد للعنف على الحدود تبدو بعيدة المنال بالنسبة لنا، فإننا مع ذلك نعتبر المؤسسات السياسية والقانونية على المستويين الوطني والأوروبي فضاءات مهمة للنضال، ونحن مصممون على استخدام مختلف أدوات التقاضي القانوني والترافع للدفاع عن حقوق المهاجرين. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من هذه القيود، فإننا نعتقد أن عملنا في مجال التحقيق المضاد ضروري للاستجابة لمطالب معرفة الحقيقة والاعتراف، المُعَبَّر عنهما من طرف العديد من الناجين من المجزرة، وكذلك عائلات القتلى والمفقودين، ومن أجل دعم سعيهم لتحقيق العدالة في مواجهة الجريمة التي ارتكبت.
ما هي التناقضات المُمْكن ربطها بالكشف عن العنف؟
إن التحليل النقدي الذي صاغته الدراسات الإفريقية، والذي يستلهم منه هذا التحقيق، يطرح تحديًا آخر: هل من الممكن أن يكون توثيقُ ونشرُ تَمَثُّلات العنف ضد ذوي البشرة السوداء، ليس فقط عاجزًا عن وضع حد لذلك العنف، بل مساهما في جعل الأمر أكثر سوءًا؟ في الولايات المتحدة، أظهر هذا النوع من الدراسات المختصة في ذوي البشرة السوداء، أن الآثار المرجوة والمفترضة لنشر صور العنف -والتي ستؤدي على الأقل إلى إدانة رسمية، وإن لم تكن قانونية، وفي نهاية المطاف إلى وقف العنف- لا تتحقق عندما يكون ذوو البشرة السوداء هم المستهدفين بالعنف. على العكس من ذلك، من الممكن أن يساهم نشر صور العنف ضد ذوي البشرة السوداء في التقليل من شأنه وبالتالي في إدامته1.
1 Saidiya V. Hartman, Scenes of Subjection: Terror, Slavery, and Self-Making in Nineteenth-Century America, Oxford University Press, 1997; Christina Sharpe, In the Wake: On Blackness and Being, Duke University Press, 2016.
إن هذا النقد يبدو بالنسبة لنا جوهريا، وكما سنناقش ذلك أدناه، قادنا هذا النقد إلى تطوير استراتيجيات بديلة للتعبئة وجمع صور الـ24 من يونيو/حزيران. في الواقع، عمدنا إلى تحليل تلك الصور، خاصة عن طريق المقابلات التي أجريناها مع الناجين من المجزرة، باعتبارها عناصر أدلة ضرورية لفهم الحقائق. ومع ذلك، يحاول تحليلنا أيضًا أخذ مسافة منها، من أجل مساءلة طريقة إنتاجها ونشرها باعتبارها مُسَاهِمَة في أعمال العنف التي توثقها. من خلال رفضنا إعادة إنتاج نظرة مُرَاقِبة أو نظرة إثارة أو تلصص، وعبر اختيارنا ممارسة “نظرة متمردة” طورتها منظمة “بوردر فورنسيك” أثناء تحقيقاتها، فإننا نحاول إماطة اللثام عن العنف وكشف مسؤولية الدول، مع الحرص على حماية هوية الأشخاص واحترام كرامتهم من خلال إخفاء أجزاء معينة من الصور1.
1 Charles Heller and Lorenzo Pezzani, “A disobedient gaze: strategic interventions in the knowledge(s) of maritime borders.” Postcolonial Studies 16(3), 2013, pp. 289-98.
ما وراء حدث المجزرة، ما هي الشروط التي هيأت لوقوعها؟
وأخيرًا، تطرح المقاربة النقدية التي طورتها الدراسات الإفريقية (الدراسات المتخصصة في ذوي البشرة السوداء)، تحديًا آخر على تحليلنا وعلى إعادة بنائنا لأحداث الـ24 من يونيو/حزيران، وعلى هدفنا المتمثل في تحليل العنف ومسؤولية الدول. في الواقع، تشير الدراسات الإفريقية إلى أن “موت ذوي البشرة السوداء ليس حدثًا، ولكنه سلسلة متصلة/استمرارية تُعْلِمنا/تخبرنا، بشكل قوي، بوجود ذوي البشرة السوداء”1. وهكذا، فعلى الرغم من أنه يمكن الكشف بشكل لافت عن حالات العنف التي تستهدف ذوي البشرة السوداء خلال أحداث معينة؛ مثل مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران 2022، وأيضًا خلال من حالات العنف العنصرية العديدة التي تمارسها الشرطة، إلا أن هذا العنف الذي يتخلل الحياة اليومية لذوي البشرة السوداء، يكون في الغالب، وبدرجة كبيرة، أقل لفتا للانتباه وأقل توثيقا. ومع ذلك، فإن هذا العنف اليومي – الذي غالبًا ما يكون غير مرئي وغير معترف به – أمر ضروري يجب أخذه بعين الاعتبار. إذا أخذنا في الاعتبار ملاحظة الفيلسوف نورمان أجاري، التي يعتبر من خلالها أن “الطريقة التي يموت بها شخص بشرته سوداء في عالم عنصري هي استمرارية للطريقة التي هو مجبر على العيش بها”2، فإنه يجب علينا توسيع أفق تحليلنا إلى ما هو أبعد من زَمَكَان مجزرة الـ24 من يونيو/حزيران 2022 لفهم ما جرى بشكل أعمق. وبالتالي، يهدف تحقيقنا المضاد أيضًا إلى إعادة تشكيل الشروط التي هيأت لوقوع المجزرة، من خلال أزمنة وأمكنة/فضاءات مختلفة، أو ما نقترح الإشارة إليه بمسمى ‘قابلية ارتكاب مجزرة‘3 (Massacrabilité) ذوي البشرة السوداء على الحدود. ونقوم، على الخصوص، بتحليل العنصرية اليومية والتجريد من الإنسانية اللتين يعاني منهما ذوو البشرة السوداء على الحدود بين الناظور ومليلية، فضلا عن نظام الإفلات من العقاب على أعمال العنف والانتهاكات التي تستهدفهم. ولتحقيق هذه الغاية، نُزَاوِج خلال هذا التحقيق المضاد بين أساليب البحث النوعي مثل المقابلات، والتي تعتبر ضرورية لإعادة تجميع وبناء التجارب المُعَاشَة لذوي البشرة السوداء، بالإضافة إلى تحليلاتهم، وبين أدوات إعادة التشكيل البصري وإعادة بناء الأمكنة/الفضاءات والتحليل الجيو-إحصائي للأحداث، وهي طريقة طورتها منظمة “بوردر فورنسيك”، مما سمح باستيعاب وفهم تطور الممارسات البنيوية وتعرض ذوي البشرة السوداء المفرط، مع المدى الطويل، لأشكال مختلفة من العنف على الحدود. لهذا الغرض، تحاول المقاربة التي اعتمدناها، من جهة، بلورة تحليل لـ”الحد الأدنى لسببية” الضربات التي ألحقتها قوات حفظ النظام بالمهاجرين أثناء وقوع المجزرة، ومن ناحية أخرى، تحليل “الحد الأقصى لسببية” العنف البنيوي الذي اعتمل وتفاعل في زَمَكَان معين4. إن هذا الأخير يشمل أيضًا مرحلة ما بعد المجزرة، حيث إن غياب الكشف عن الحقيقة والاعتراف وإحقاق العدالة بعد المجزرة، وعدم التعرف على القتلى والمختفين، والتكالب القضائي الذي يتعرض له الضحايا، كلها عوامل تؤدي إلى إدامة العنف بأشكال أخرى.
1 Norman Ajari, “Forms of Death: Necropolitics, Mourning, and Black Dignity”, Symposium: Canadian Journal of Continental Philosophy 26(1), 2022, p. 175.
2 نورمان أجاري، الكرامة أو الموت. أخلاقيات وسياسة العرق-Éthique et politique de la race، 2019، ص. 100.
3 نقترح مفهوم “القابلية لارتكاب مجزرة” على غرار مفهوم “القابلية للإبادة” الذي صاغه غسان حاج، مستوحيا إياه من تحليلات الفيلسوف إتيان باليبار. بالنسبة للحاج، تشير القابلية للإبادة إلى إعداد الأشخاص للإبادة من خلال تصنيفهم من الناحية المؤسساتية على أنهم ضحايا محتملون في المستقبل، لا سيما من خلال التصنيف العنصري. إن القابلية للإبادة ليست إبادة فعلية، لكنها تؤسس وتخلق الظروف التي تمكن من إطلاق عمليات إبادة مستقبلية. وبالمثل، من خلال مفهوم القابلية للذبح، فإننا نشير إلى إعداد الأشخاص -ذوو البشرة السوداء في هذه الحالة- للتعرض لمذبحة/مجزرة. انظر غسان حاج، “الفصل التاسع: Rappeler l’antiracisme: vers une anthropologie critique de l’exterminabilité” في L’Alterpolitique: الأنثروبولوجيا النقدية والخيال الراديكالي، EuroPhilosophie Éditions، 2021؛ إتيان باليبار، “الاختلاف، الأخروية، الإقصاء”، Parallax 11(1)، 2005، الصفحات من 19 إلى 34.
4 Matthew Fuller et Eyal Weizman, Investigative Aesthetics: Conflicts and Commons in the Politics of Truth, Verso, 2021.
كيف يمكن بناء تحقيق جنائي نقدي، مناهض للعنصرية ومتجاوز للسياق الاستعماري؟
إذا كانت الدراسات النقدية للعنصرية، والمقارباتُ المتجاوزة للسياق الاستعماري، قد أثرت على تعريف موضوع تحقيقنا المضاد، وكذلك منهجياتنا، فقد حاولنا أيضًا السماح لوجهات النظر هذه بالتأثير على تشكيلة فريق عملنا وعملية بحثنا. فمن ناحية، وفي حدود الظروف القانونية والاجتماعية وأساسا المادية المختلفة، سعينا إلى التعاون الوثيق قدر الإمكان مع الناجين، وإعادة تجميع وبناء تجاربهم وتحليلاتهم ومقاوماتهم. علاوة على ذلك، سعينا إلى تجميع فريق بحث عابر لحدود المواطنة والعرق والطبقة، مع الاعتراف ومحاولة تقليل أشكال اللامساواة الناشئة عن مواقفنا الاجتماعية المختلفة وغير المتناظرة. معًا، قمنا بتشكيل فريق موسع مكون من جمعيات حقوق الإنسان، صحفيين، باحثين متخصصين في التحليل النقدي للحدود وسياسات الهجرة والعنصرية، خبراء في مجال إعادة التجميع والتشكيل المكاني والبصري، إحصائيين، مهندسين معماريين، ومخرجي أفلام وثائقية. امتد عملنا على عدة مراحل: جمع المعطيات، خاصة على المستوى الميداني (فبراير/شباط-يونيو/حزيران 2023)؛ تحليل المعطيات (سبتمبر/أيلول-ديسمبر/كانون الأول 2023)؛ كتابة وإنتاج عمليات إعادة البناء البصرية والمكانية (يناير/كانون الثاني-أبريل/نيسان 2024).
كانت عملية البحث التي قمنا بها، من خلال هذا الفريق الكبير والمتنوع، طويلة وصعبة، واتسمت أحيانًا بالتوتر. لكنها شكلت خطوة في تجربة تحقيق في مجال البحث الجنائي، تروم اتباع مقاربة نقدية ومناهضة ومتجاوزة للسياق الاستعماري.
تجد مقاربتنا أيضًا تعبيرًا لها في أسلوب الكتابة المُعْتَمَد في هذا التقرير. غالبًا ما تسود نبرة محايدة ووصفية في التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتميل إلى محو الوضع الاجتماعي للمؤلفين وكذلك توجهاتهم السياسية. لكن هنا، على العكس من ذلك، فإننا نؤكد موقفنا والتزامنا وتصورنا، ليس فقط لانتهاكات القانون ولكن للظلم الذي ارتكب، ونتبنى موقفا تأمليا فيما يتعلق بالتناقضات التي تطرحها عملية بحثنا. إن الاعتراف بوضعنا وموقفنا هو جزء من صرامة منهجنا، ويعكس بشفافية وجهة نظرنا تجاه الحقائق.
Investigation team
Research team
Border Forensics
Research director: Charles Heller
Lead researcher: Elsa Tyszler (Associate Researcher at CRESPPA, CNRS)
Project coordinator: Elio Panese
Irídia-Centre for the Defense of Human Rights
Research and documentation: Maite Daniela Lo Coco, Sani Ladan
Supervision and support: Sonia Olivella, Irene Urango, Laura Maria Medina, Marta Llonch
AMDH-Moroccan Association for Human Rights
Research: AMDH migration group
ECCHR-European Center for Constitutional and Human Rights
Additional legal analysis: Hanaa Hakiki
Visual and spatial analysis and production team
Border Forensics
Cartography and animations: Nico Alexandroff, Jack Isles, Svitlana Lavrenchuk
Geostatistical analysis: Stanislas Michel, Stefanie Helfenstein
Geolocation and remote sensing: Rossana Padeletti
Documentary filmmaking, editing, sound mixing: Frédéric Choffat
Layout and public visibility: Jelka Kretzschmar
Extended Team
Interactive platform development: Zac Ioannidis
Timeline design: Robert Preusse
Border fence analysis: Antonio Giraldez López, Alicia Martínez
Additional documentary filming: Alicia Martínez, Javier Angosto, Javier Bernardo, Okba Mohammad
Documentary video editing, translation, subtitling: Naima Bachiri
Footage synchronisation: Emile Costard
Audio recording: Björn Cornelius, Headroom Estudio
Recordings of wire fences: George Vlad (Mindful Audio), Jeff Navarro (Critical Vibrations)
Voiceover: Charles Heller, Mohammad Jadallah, Sani Ladan
Translation of report and scripts: J.A.*, Michael Almeida, Munia Hassoun, Mohammad Jadallah, Pedro Sanz
Translation of interviews and official documents: J.A.*, M.A.*, R.E.*, R.A.H*, S.K*, Diego Rodriguez, Okba Mohammad
* The names of our collaborators wishing to remain anonymous have been abbreviated.
Acknowledgements
This investigation, extending over more than a year, was made possible by the contributions of many people.
We would first like to thank the many survivors of the massacre we met for their trust. This counter-investigation is dedicated to them, and their struggle against racism, for their dignity, and for the recognition of their humanity and rights. We hope this investigation contributes to your quest for truth and justice.
We further thank the Nador section of the AMDH for its tireless efforts in documenting violations at the Nador-Melilla border, and the 24 June massacre in particular. This documentation and analysis has constituted an essential source for our investigation.
A number of civil society actors, journalists and researchers who have been documenting and analysing the effects of border control at the Nador-Melilla border for many years, generously shared their knowledge with us. They are too many to thank, and some of their identities cannot be revealed for security reasons. We thus express our heart-felt gratitude collectively and anonymously.
Our investigation builds on previous efforts by journalists and civil society actors to reconstruct the 24th of June 2022 massacre. We are particularly grateful to Lighthouse Reports which generously shared all the footage it had accessed in the context of the important investigation it led in collaboration with ENASS, El País, The Independent, Le Monde and Der Spiegel. Lighthouse Reports has further shared its 3D model of the Barrio Chino border fence and interview transcripts. Our thanks also go to porCausa for their work.
Several photographers and journalists shared their important work with us and are credited throughout our report. We thank in particular Javier Angosto and Javier Bernardo who were present on the 24 June 2022, on the Spanish side of the border fence, and who shared their footage with us.
We thank UNHCR Spain and UNITED for Intercultural Action for sharing data with our project, and Human Rights Watch for sharing its satellite imagery analysis of post-massacre attempted burials. We are grateful for Luisa Izuzquiza’s support in seeking to access official documents.
We thank Andrés García Berrio for the trust and Clara Calderó and Irina Samy Cucurull (Novact) for the solidarity and support in this project. We also thank Irídia’s team of communication, advocacy and administration for the support.
We further thank Norman Ajari as well as E. Tendayi Achiume for joining our collective discussions. Their analysis of anti-Black racism, violence and the law has shaped this investigation’s approach in decisive ways.
We are grateful to Maribel Casas-Cortes, Sebastian Cobarrubias Baglietto and Itamar Mann for their insightful reviews, comments and additions on drafts of our report, and Kader Attia for contributing to our thinking in relation to images of violence and the violence of image.
Funding
Border Forensics’ work on this project has been supported by:
Swiss National Science Foundation
As of January 2024, Charles Heller’s research has been supported by the Swiss National Science Foundation towards his “Circumference of Violence” project based at the University of Bern.